الآية الثالثة: في أمر الرزق قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾([1])، وفي هذه الآية فوائد؛ الأولى: يجب أن تعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان هو المخاطب بهذه الآية فحكمها ووعدها متعلق بأمته أيضًا؛ فكل عبد مقول له: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾، وإذ قد فهمت هذا فاعلم أن الله أمرك أيها العبد أن تأمر أهلك بالصلاة؛ لأنَّه كما يجب عليك أن تصل أرحامهم بأسباب الدنيا، والإيثار بها، كذلك يجب عليك أن تصلهم بأن تهديهم إلى طاعة الله تعالى وتجنبهم وجود معصيته، وكما كان أهلك أولى ببرك الدنيوي، كذلك هم أولى ببرك الأخروي ولأنهم رعيتك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»([2])، وقال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾([3])، كما قال ها هنا: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ﴾.
الفائدة الثانية: انظر إلى أنه تعالى أمره عليه الصلاة والسلام في الآية أن يأمر أهله قبل أن يأمر هو نفسه بالاصطبار عليها؛ ليعلمك أن الآية سيقت للأمر بأمر الأهل بالصلاة، وأن غير هذا إنما جاء بطريق التبع، وإن كان مقصودًا في نفسه لكنه لما علم العبد أنه مأمور في نفسه بالصلاة علمًا لا شك فيه؛ فأراد الحق تعالى أن ينبه العباد على ما لعلهم أن يهملوه، فأمر رسوله بذلك ليسمعوا بذلك فيتبعوا، فيكونوا لذلك مسارعين على القيام به مثابرين.
تنبيه: اعلم أنَّه يجب عليك أن تأمر أهلك بالصلاة، من: زوجة([4])، أو أَمَةٍ، أو ابنة، أو غير ذلك، ولك أن تضربهم على تركها، وليس لك عند الله من حجة أن تقول: «أمرت فلم يسمعوا»، فلو علموا أنه شق عليك ترك الصلاة كما يشق عليك إذا أفسدوا طعامًا، أو تركوا شيئًا من أمر مهماتك ما تركوا، بل اعتادوا منك أن تطالبهم بحظوظ نفسك، ولا تطالبهم بحقوق الله تعالى؛ فلأجل ذلك أهملوها.
ومن كان محافظًا على الصلاة وعنده أهل لا يصلون، وهو غير آمر لهم بها -حشر يوم القيامة في زمرة المضيعين للصلاة، فإن قلت: «إني أمرتهم فلم يفعلوا، ونصحتهم فلم يقبلوا وعاقبتهم على ذلك بالضرب فلم يكونوا له فاعلين، فكيف أصنع؟!»([5]).
فالجواب: أنه ينبغي لك مفارقة من يمكن مفارقته ببيع أو طلاق، والإعراض عَمَّنْ لا يمكن بينونته عنك بذلك، وأن تهجرهم في الله؛ فإن الهجر في الله يوجب الصلة به.
([2]) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم في «صحيحيهما»، وأحمد في «مسنده» وأبو داود والترمذي، ولفظه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». اهـ.