التعريف به:
هو صاحب سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال عنه أبونعيم: «ومنهم الخطيب المقدام السخي المطعام، خطيب العارفين، ومضيف ومهاجر الهجرتين، ومصلي القبلتين، البطل الشجاع، الجواد الشعشاع : جعفر بن أبي طالب علم، فارق الخلق، ورامق الحق. وقد قيل: إن التصوف الانفراد بالحق عن ملابسة الخلق.
أخلاقه وأيامه في الإسلام:
روي عن أبي إسحاق عن بردة عن أبيه، قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشًا، فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد فجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدما على النجاشي، فأتياه بالهدية فقبلها وسجدا له. ثم قال له عمرو بن العاص : إن أناسًا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم في أرضك. قال لهم النجاشي: في أرضي؟ قالوا: نعم. فبعث إلينا؛ فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس، وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين، وقد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون لك. فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان اسجدوا للملك. فقال جعفر: لا نسجد إلا الله عز وجل. قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله تعالى يعث فينا رسولا، وهو الرسول الذي بشر به عیسی علم، قال: «من بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف: ٦]، فأمرنا أن نعبد الله، ولا نشرك به شيئا، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو بن العاص، قال: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في ابن مريم؛ فقال النجاشي الجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول الله عز وجل، هو روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر ولم يفترضها ولد. فتناول النجاشي عودًا من الأرض فرفعه؛ فقال: يا معشر القسيسين والرهبان. ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن ،هذه مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله، امكثوا في أرضي ما شئتم وأمر لنا بطعام وكسوة، وقال: ردوا على هذين هديتهما.
وروي عن أم سلمة، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النجاشي آمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بعثت قريش عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهداياهم إلى النجاشي وإلى بطارقته أرسل إلى أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه. قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن. فلما جاءوه؛ وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، ثم سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قال: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك. كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه و آمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله عز وجل، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان . عبادة الله من عز وجل، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، فاخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم. فقال له: اقرأ علي. فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص) [مريم:١] فبكى النجاشي والله حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا هو والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما ولا أكاد، ثم قال: اذهبوا، فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون من مسكم غرم من مسكم غرم، من مسكم غرم. ما أحب أن لي دبر ذهب، وأني آذيت رجلًا منكم - والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاء به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
وروي عن أبي هريرة قال: كنت لا أكل الخمير، ولا ألبس الحرير، وألصق بطني من الجوع واستقري الرجل الآية من كتاب الله هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، إن كان ليخرج إلينا العكة فنشقها فنلعق ما فيها.
وروي عن أبي هريرة قال: كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسميه أبا المساكين.
وروي عن ابن عمر قال: كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسنا جعفرًا فوجدنا في جسده بضعا وسبعين ما بين طعنة ورمية.
وروي عن ابن عمر، قال: فقدنا جعفر يوم مؤتة، فطلبناه في القتلى فوجدنا به بين طعنة ورمية بضعا وتسعين، ووجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.
الرئيسة