القصيدة الثالثة وهى من نوع الحماسة:
جعلتها على منهج أقوال الشعر المبتهلين فحكيت فيها مثل ما يحكونه من أمرهم في الحروب لشجاعة وشهامة تصدر منهم ولم أقصد بما أحكيه ظاهر اللفظ لئلا يكون كذباً بل لي فيه معنا وهى أحد المقاصد التي أذكرها في تأويل البيت وجعلت ذلك ليكون للسامع أنموذجاً إلى معرفة أقوالهم فلا يتوقف عن سماعها بل أرجوا من فضل الله تعالى أن يفتح على من وقف على كتابي هذا بتأويل سائر كلام الشعراء حسب ما يقتضيه حاله أن شاء الله تعالى وجعلت هذه القصيدة سبعة عشر بيتاً:
وبي للجد في طرف السنان الأخضر علم يعذ بكف كل غضنفر
وجه السماع للناسك فيه يقول للسعادة الباقية في العمل الخالص لله تعالى بين الخلق علامة عزيزة ظاهرة على جوارح كل عابد لله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه يقول للطريق في الجد والاجتهاد سلوك إلى مقام عزيز ومحل شريف هو كالعلم الذى جعل على حدود الحرم يريد أنه علم على مقام الوصول فكنى بالجد عن الطريق وكنى بالسنان الأخضر عن المجاهدات لأن السنان من آلة الحرب وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تهذيب النفوس جهاد أكبر في قوله لما رجع من العزاء: (رجعنا في الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) وكنى بالعلم وهو البنيان الذى يكون حول حرم الله عن علامة الرمز الى مقام القرب وكنى بالكف عن المبالغة في العمل لأن اليد من لوازم العمل وكنى بالغضنفر عن الرجل القوى العزيمة.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن الاستهتار في العشق والمحبة أثر ظاهراً على كل محب لله تعالى فجعل العشق والاستهتار فيه معبراً بالجد وقس على ذلك البواقي.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول للجد والكمال الإنساني أثر على جوارح الولي الكامل يعنى شاهد عزيز المرام فكنى بالطرف عن الجارحة وبالسنان عن الولي لاستقامته على سنن الطريق وبالعلم عن الأثر الظاهر بالكرامات وحرق العادات وبالكف عن الهمة لأنها تعبر في طريق القوم بالقدرة وقد عبر عن القدرة باليد وكنى بالغضنفر عن الإنسان الكامل.
فاذر قناة الحرب في هامر العدى لي يستدير رجاء زمان أحضر
القناة عين الماء تجرى لدوران الطواحين والطواحين وحدتها طاحونة وهى الرجى
وجه السماع للناسك فيه يقول أقم الهمة والعزيمة في عبادة الله محارباً للشيطان فلا تعصيه لكى يطيب عيشك يوم القيامة فكنى بالعدى عن الشيطان وأتباعه وكنى بالزمان الأخضر عن يوم القيامة.
وجه السماع للسالك فيه يقول قم على نفسك بالحرب بأنواع المجاهدات والرياضات والمخالفات حتى يسكن قلبك مع الله تعالى إذا أطمأنت النفس وتزكت وساوسها فكنى بالحرب عن المجاهدات والرياضات وكنى بالعدى عن النفس وشهواتها وكنى بالزمان الأخضر عن السكون مع الله تعالى بالقلب في مراقبة جلاله عز وجل.
وجه السماع للمحب فيه يقول خالف عقلك الذى يعد لك عن الانخلاع والتهتك في حب الله تعالى وحاربه بأنواع الدلائل إذا جاد لك بمعقوليات المسائل حتى تحظى بمقام الوصول والقرب عند الله تعالى.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول قم لمحاولة قطع الحجب المانعة لك عن الكمال الإلهي محارباً لها بأنواع الحضور مع الحق تعالى في تجليات أسمائه وصفاته إلى أن يكشف لك عن أنوار ذاته فكنى بإذارة قناة الحرب عن قطع الحجب الظلمانية والنورانية الحائلة بين القلب والسر وكنى باستدارة رجاء الزمان الأخضر عن البلوغ إلى الكمال الإلهي لأن الطريق إلى الله دورى لا خطى وقد ذكرنا هذا في أكثر مؤلفاتنا فالعبد في سلوكه إلى الله تعالى يقطع الطريق التي نزل فيها إلى العالم السفلى لكنه من جهة أخرى مثاله برزت الإرادة الإلهية بإيجاده من علم الله تعالى فجرى القلم به وثبت في اللوح أسمه ثم نزل به أمر الله إلى عالم الدنيا فجاوز ما بين الأرض والقلم والأفلاك فلكاً فلكاً مجاوزة معنوية حكمية يكون له بها في قابليته استعداد قوة للترقي إلى ذلك المحل فإذا وصل مثلاً إلى الأرض ونبت العشب أو الشجر بما سيكون غذاء الوالد والوالدة من مادة ذلك الغذاء منيا ثم يصير باجتماعهما علقة فمضغة فعظاماً فلحماً فصورة فجنيناً ثم يصير بخروجه إلى عالم الدنيا طفلاً ثم صبياً ثم إذا بلغ الحلم ثار أنساناً حيوانياً وحينئذ يرجع من طريق نفسه وقلبه إلى الله تعالى ويقطع هنالك مقامات هى نتيجة للمقامات التي قطعها في ظهوره حتى يصل إلى مقام القرب الإلهي فصار طريق دورياً لأنه نزل من طريق الأفاق إلى العالم السفلى ورجع على طريق نفسه إلى العالم العلوى فيم في قلبه بما هو نسخة التراب ونسخة الماء ونسخة الهواء ونسخة النار ونسخة فلك القمر وفلك عطار إلى أخر الأفلاك ويمر في قلبه بما هو نسخة اللوح والقلم والكرسي حتى ينتهى إلى ما هو نسخة العرش من قلبه فيقف بين يدى الله تعالى في المحل المشار
إليه بقوله: (قلب المؤمن عرش الله) فيكون حينئذ قلبه هو المشار إليه في الحديث بقوله عن الله: (ما وسعني أرضى ولا سمائي ووسعني قلب عبدى المؤمن) وأجد رائحة إلى الأسماء بهذا الطريق في قوله: (سنريهم أياتنا في الأفاق وفى أنفسه) جال بنا جواد البراع في هذه الرقاع إلى أن أبدا ما لم نرد إظهاره في هذا المحل أبداً فلنرجع إلى ما كنا بصدده فإذا علمت أنه كنا باستدارة الزمان عن الطريق إلى الله تعالى وكونه دورياً فأعلم أنه كنى بالخضرة عن الكمال لأنه أحسن الألوان ولهذا كانت نباتات أهل الجنة موصوفة بالخضرة لأنها أعز الألوان وأكملها.
لا ترض من بحر الوجود بسيفه وخض الخضم لكل درٍ أبهر
السيف بكسر السين هو الساحل.
وجه السماع للناسك فيه يقول لا ترض بالراحة في الدنيا لأنها فانية وخض بحر الأعمال للثواب عند الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه يقول لا تقف مع المجاهدات والرياضات في الطريق وحدها بل خض مع ذلك بحر التوحيد لتجتنى المعارف الإلهية.
وجه السماع للمحب فيه يقول لا تقنع من وصال المحبوب بالشم والرائحة كالذكر والرسائل بل غض في بحار العشق والمحبة متهتكاً في الانخلاع والاطراح مرتكباً للأهوال الغرام إلى أن يكشف الله تعالى لك عن بصيرتك حجاب الغفلة عنه فتكون ممن عبده.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول لا تحتجب بتجليات الأفعال عن تجليات الأسماء والصفات بل انهمك مستهتراً مستغرقاً في بحار تجلياته إلى أن يتجلى عليك بذاته بلا كيف ولا جهة بل كما يستحقه كماله الإلهي فجعل قوله لا ترض كناية عن معنى لا تحتجب وجعل قوله بحر الوجود كناية عن الكمالات الإلهية بمعنى أنها عظيمة لا نهاية لها لأن البحر لا يستعمل إلا في مثل هذه الأشياء وجعل السيف الذى هو الساحل كناية عن تجليات الأفعال وجعل الخوض كناية عن الاستغراق والانهماك في الحضور وجعل الخضم عبارة عن الحضرة الأولية وجعل الدر عبارة عن تجلى إلهى في أسم أو صفة على ما يستحقه من الكمال وإليه أشار بقوله أبهر لأن القدرة الباهرة لا يعجزها أن تتجلى على العبد الضعيف من غير طول ولا تشبيه ولا إعدام بل هو قادر على كل شيء.
ومطهم عالي العنان ركضته بمثقف صدق القوائم أسمر
يعنى ورت مطهم أي فرس عالي العنان كنا بذلك عن علو رأسه في الارتفاع عن الأرض ركضته يعنى سقته وأنا راكب عليه وفى يدى مثقف أي رمح ثقفي صدق القوائم أسمر اللون.
وجه السماع للناسك فيه يقول رب دعاء لازمت باب الحق تعالى ودعوته لأمر عالي ومطلب شريف الحيت فيه على الله وتضرعت لديه بصدق نية وإخلاص عزيمة أرجوا شيء به.
وجه السماع للسالك يقول رب همة عليه سارت بي وكشفت لي عن الملأ الأعلى ركضته يعنى سقته جواد الهمة إلى ذلك المحل بمثقف يعنى بعزم وعزيمة صدق القوائم أسمر يعنى صدقت في الاستقامة على (....) المجاهدات العزيزة والأحوال السنية إلى أن بلغ بي نحو الروحانيات العلى فجعل الفرس كناية عن الهمة وجعل علو العنان كناية عن علو مكانة الهمة وجعل الركض كناية عن توجه وجه الهمة باستقامة في طلب ما هو بصدده وجعل الرمح المثقف كناية عن عزيمته وجعل صدق قوائم الرمح كناية عن صدقه في عزيمته يعنى أن أقبل بكليته على طلب ذلك الأمر بهمة باطنية وعزيمة ظاهرية.
وجه السماع للمحب فيه يقول رب قلب عالي التعلق في محبة الله ركضته وجهته في طلب الله تعالى بمقصد خالص صادق في ذلك خلاصه.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول رب أسم ذاتي عرفت الله تعالى به بواسطة صفة نفسية إلهية كشفت لي عن سر ذلك الاسم الذى عرفت الله تعالى به فجعل الفرس كناية عن قول بعض الشيوخ حيث قال: (الأسماء مراكب العارفين والصفات مراكب المريدين) يريد أنهم يعرفون الله به فيصلون إلى كشف الحجاب بواسطة تلك الأسماء والصفات كما أن الراكب يصل بواسطة مركوبه إلى مطلوبه وجعل قوله عالي العنان كناية عن علو مكانة ذلك الاسم الإلهي الذاتي وجعل ركضته بمعنى جبهته وفتح لي في معرفته حتى وصلت سريعاً إلى مقام الوجود وجعل لفظة مثقف صدق القوائم إشارة إلى كونه عرف الله بصفة نفسية قبلها فتوصل بواسطة تلك المعرفة إلى أن عرفه بصفة ذاتية تأويلاً سائغاً لا على جملة الحال(.....).
فقطعت أذيال الظلام بسيره وقصدت جيشاً كالخضم المزفر
وجه السماع للناسك فيه يقول فقطعت بواسطة ذلك الدعاء أذيال الظلام يعنى فكنت أدعو الله تعالى طول الليل إلى أن فلق الصبح وقصدت جيش يعنى وطلبت في ذلك الدعاء أمور شتى كالخضم المزفر في الكثرة والخير.
وجه السماع للسالك فيه يقول فقطعت بواسطة تلك الهمة العلية والعزيمة الصادقة جميع الحجب الجسمانية وقصدت الصور الروحانية في عالم الملكوت الأعلى فجعل أذيال الظلام كناية عن الحجب الجسمانية لأنها كثائف أرضية وجعل بخيل المطهم عبارة من صعود الهمة به إلى تلك المكانة العلية وجعل الجيش عبارة عن الملائكة وجعل الخضم المزفر عبارة عن كثرة تعددهم.
وجه السماع فيه للمحب يقول فقطعت مقامات المحبة بواسطة توجه ذلك القلب إلى المحبوب في قوة صدق وقصد في كابرت أموراً في محبة الله تعالى هى كالجيش العرمرم بمعنى أنها تغلب أكثر المحبين فيرجعون القهقرا عن طريق المحبة بواسطة تلك الموانع القواطع الفواظع.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول فقطعت بواسطة ذلك الاسم أذيال الظلام يعنى حجب الجلال وقصدت جيشاً كالخضم المزفر يعنى المعرف الإلهية لأنها لا تتناهى فكنى عنها بالبحر المزفر لأجل ذلك فافهم.
فأتيته والشمس في كبد السما والقوم بين مسيف ومخنجر
ومدرع ومقنع ومركب ومرجل ومقدم ومؤخر
وجه السماع للناسك فيه يقول فوصلت بواسطة ذلك الدعاء إلى مطلوبي من العبادة والإخلاص لله تعالى والشمس في كبد السماء يعنى نور الهداية المحمدية المضيئة دلتني على ذلك والقوم بين مسيف ومخنجر يعنى بالقوم ومقنع إلى أواخره كناية عن تنوعات مكائدهم.
وجه السماع للسالك فيه يقول فوصلت إلى كشف عالم الملكوت الأعلى والشمس في كبد السما كنى بذلك عن تحقيق الكشف بالبيان والصراحة في ذلك المقام لأن الشمس إذا طلعت ظهر ما كان مستوراً بظلام الليل وكذلك السالك إذا طلعت شمس شهوده وأشرقت أنواره على أرض وجوده كشف بذلك ما كان مستوراً يقول وصلت إلى محل مخاطبة الروحانيات العلويات والقوم يعنيهم بين مسيف ومخنجر يعنى ملائكة القهر ومدرع ومقنع يعنى ملائكة الحفظ والتحصين ومركب يعنى الروحانيات العلية ومرجل يعنى الملائكة العنصرية فأنهم أنزل درجة من أولئك ومقدم يعنى كبار الملائكة كإسرافيل وجبريل وأمثالهما ومؤخر يعنى من دونهم.
وجه السماع للمحب فيه يقول فوصلت إلى محبوبي والشمس في كبد السما يعنى ظهوره على كظهور الشمس في كبد السما والقوم بين مسيف مخنجر يعنى القواطع المانعة عن الوصول للمريدين بين مسيف يضرب بالسيف ومخنجر مدرع ومقنع كناية عن قوة الموانع والقواطع والعوائق والعلائق إلى قطعها ووصل إلى محبوبه
وجه السماع للمجذوب فيه يقول فأتيته يعنى وصلت إلى مقام التمكين والشمس في كبد السما يريد بذلك كناية عن ظهور شمس الكمال في أفق قلب العبد المتمكن والقوم بين مسيف مخنجر كنا بالقوم عن الأسماء الإلهية أنها مسيف أسم فاعل للسيف يعنى أن أثارها في الوجود تفعل فعل السيف وأن سيف تقلبان تجلياتها تكسب (.....) غلبة فعل السيف وفعل الخنجر وتقنعه أي تحصنه وتدرعه أي تحفظه ومركب أي تركبه وتوليه على غيره ومرجل أي تنزله عن حظوظ وبشريته ومقدم يعنى أنها تقدم المتجلي عليه على غيره ومؤخر يعنى أنها تفعل في الكون هذا الفعل فجعل هذه العبارات أشارت إلى أثار تلك الأسماء والصفات.
في الكون فعلوتهم بمقلك ماضٍ كم أرويته دم مثلهم من دكسر
وجه السماع للناسك فعلوتهم يعنى قهرت نفسى والهوا والشيطان والدنيا بمقلك ماض يعنى بتوبة خالصة صادقة وزهد كلى وورع نقى وعبادة رضية فجعل هذه الأمور بمقابلة السيف القاطع لأنها تقطع مقامات الإيمان فيحصل العبد بواسطتها في حقيقة الإيمان وكم أرويته دم مثلهم من دسكر يقول وكم ثم قواطع وموانع من الأمور الحائلة بين العبيد وبين عبادة الله قطعتها بتلك التوبة والزهد والروع والإقبال على العبادة.
وجه السماع للسالك فيه يقول فعلوتهم يعنى علوت وترقيت إليهم بمقلك ماض يعنى بكشف قاطع صريح وكم أرويته مثلهم من د سكر يعنى وكم عليت بواسطة ذلك الكشف مثلهم من خلق الله تعالى في الملك والملكوت.
وجه السماع للمحب فيه يقول علوا همتي ارتفعت عن مقام تلك الموانع والقواطع التي كانت تكاد ان تمنعني كما منعت غيرى من أهل محبة الله تعالى حتى ان ترقيت إلى مقام لا يصل إلى فلا يخطر بي بعدها ما يخطر بغيرى من الأمور القاطعة له عن الوصول إلى المحبوب بمقلك ماض يريد أنى وصلت إلى ذلك المقام بواسطة عشق قاطع لما سواه وقد ورد أن الإرادة نار تحرق ما سوى الحبيب وهذا مراده في قوله بمقلك ماض وكم أرويته دم مثلهم من دسكر يقول وكم قطعت بالعشق مقامات صعبة قبل قطع هذا المقام.
وجه السماع للمجذوب يقول فطلبت بعد معرفتي لتلك الأسماء معرفة أسماء ذاتية فوقها لأن أسماء الله تعالى لها مراتب في تجلياتها عند الله تعالى فليس تجلى أسمه الأعظم كتجلي غيره من الأسماء وليس تجلى أسم ذاتي كتجلي أسم فعلى فجعل قوله فعلوتهم يعنى تجليات الحق لا تتناهى وجعل قوله بمقلك ماض كناية عن الاسم الإلهي الذى يرقى بواسطته إلى هذا المحل وجعل قوله وكم أرويته دم مثلهم من دسكر عبارة عن المعرف الحاصلة بواسطة ذلك الاسم المتجلي عليه.
ضجوا واصحت عليهم فتجمعوا ودنا إلى جميع ذاك العسكر
وجه السماع للناسك يقول ضجت النفس وتمايلت هى والشيطان والدنيا والهوى والشهوة فلما أرادوا أن يهلكوني صحت عليهم يعنى استعنت بالله فناديته ودنا إلى جميع ذاك العسكر بالمحاربة
وجه السماع للسالك فيه يقول ضجت الملائكة لله تعالى بالتسبيح وصحت عليهم كنى بصياحه عن أشرافه عليهم في الملكوت الأعلى لأن المتحاربين أنما يصيح أحدهما على الأخر إلا عند المقابلة بالقرب بعد رأى العين وأراد بقوله فتجمعوا يريد أنه كشف عن حالهم جميعاً وأراد بقوله ودنا إلى جميع ذلك العسكر يعنى قربوا وسهل على كشف تلك الملائكة في الملكوت الأعلى بعد أن كان ذلك بعيداً على.
وجه السماع للمحب فيه يقول تواترت العوائق والعلائق على وقمت في قطعها وعن ذلك كنى بقوله وصحت عليهم يعنى أنه قام في محاربتهم يريد قطعهم.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أقبلت على التجليات الاسمائية والصفاتية فأقبلت عليها بكليتي فتجمعوا يعنى في مقام جمع الجمع وهو المعبر عنه بتجلي الذات في حقائق الأسماء والصفات ولأجل هذا قال ودنا إلى جميع تلك العسكر عبر به عن تجلى الذاتي والقرب في مشهد ظهور الأسماء والصفات.
فسككت هذا بالقنا وعلوت ذا مع ذلك بالذكر الحسام الأبتر
وجه السماع للناسك فيه هو تعبيره عن قهره للنفس والشيطان والهوى بأنواع العبادة والإقبال على الله تعالى فكنى عن العبادة والإقبال بقوله الذكر الحسام الأبتر.
وجه السماع للسالك فيه يقول فسككت هذا يعنى خاللت نوعاً من الملائكة المقربين وعلوت ذا يعنى ترقيت على نوع أخر بالذكر الحسام الأبتر يعنى بالذكر الخفي لله تعالى بالسر لأنه يحسم من القلب ما سوى الله تعالى ويقطعه عن كل مخلوق يعنى أنه لما كشف عن حالهم ترقى عنهم بذكر السر فلم يقف معهم بل أشتغل بالله تعالى.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن العقل والرئاسة وأمثالهما لما أراد ان يقطعاني عن التهتك والانخلاع في حب الله تعالى غلبتهم وقهرتهم بقوة العشق والمحبة في الله تعالى فلم يقطعني شيء منهم عن مطلوبي بل قطعتهم بالذكر الحسام الأبتر يعنى العشق القاطع لما سوى المحبوب.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول عند أن ظهرت الأسماء الإلهية والصفات الربانية على قلبي بتجلياتها كما يجوز لربى خرقت حجب الأنوار الكونية فسككت هذا يعنى الحجب النورانية بالقنا يعنى بالفناء عنه في الله وعلوت ذا مع ذاك يعنى وترقيت عن حجب عالم الغيب الملكوتى وعالم الغيب الجبروتى بالذكر الحسام الأبتر كنى بذلك عن تجلى الذات المقدسة في منظر الواحدية لله تعالى لأن التجلي الواحدية يحسم عن بصيرة المتجلي له عن الوجود ما سوى الله فلا يكون لشيء وجود إلا لله تعالى وحده وإلى هذا المعنى أشار عليه السلام بقوله: (أن لله نيفا وسبعين حجاباً لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره) يعنى لو رفع عن العبد تلك الحجب لأفنت سبحات وجه تعالى ما انتهى إليه بصر العبد من الوجود فلا يرى لشيء سوى الله تعالى موجوداً وهذا هو المعبر عنه بتجلي الواحدية.
حتى عكسنتهم مرارا في الوغا وقتلت منهم رب مرن أكبر
وجه السماع للناسك فيه يقول جادلت النفس والشيطان والهوى مراراً بعكس ما يرمونه منى فقتلت منهم رب مبارز أكبر بمخالفته عن ما يروم.
وجه السماع للسالك فيه يقول حتى عكستهم يعنى تركتهم خلف ظهري بعد أن كانوا أمام عيني مراراً في الوغا يعنى فعلت ذلك مرارا بأهل تلك العوالم لأن كلما ترقيت عن طائفة ظهرت لي طائفة أخرى ففعلت ذاك الفعل مرارا وقتلت منهم رب مرن أكبر يعنى عرفته حق المعرفة قال تعالى: (ما قتلوه يقينا) يعنى وما عرفوه ولا أحاطوا به معرفة هكذا ذكره الجوهري في صحاحه وقال الشاعر:
كذاك تخبر عنها العالما به وقد قتلت بعلمي ذاكم يقيناً
فقتلته بمعنى عرفته.
وجه السماع للمحب فيه يقول خالفت من يعدينى من العقل والرئاسة ففعلت بعكس ما أمرونى وغلبت رب مخاصم أكبر منهم.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول حتى خرقت الحجب مراراً في ذلك المشهد لأنى كلما ترقيت عن حجاب أسم أو صفة ظهر لي حجاب أسم أو صفة أخرى فلم أزل أقطع حجب الأسماء والصفات مراراً حتى قتلت منهم رب قرن أكبر يعنى أزلته عنى فوقفت دونه بين يدى الله تعالى.
وقصدت قائدهم قتلت وريده بلسان أسمر بالدماء محمر
وجه السماع للناسك فيه يقول وقصدت الشيطان بقطع مادته وترك المعاصي.
وجه السماع للسالك فيه يقول وقصدت الأرواح المجردة العلوية المعبر عنهم بالملائكة المهيمة في جلال الله تعالى جعلهم قائدي الملائكة لأنهم مقربون فكأنهم مقدموا الملائكة كما أن قائد الجيش هو عبارة عن مقدمهم قتلت رويده يريد بذلك كناية عن معرفته كما سبق في البيت الأول أن القتل لمعنى المعرفة.
وجه السماع للمحب فيه يقول قصدت العقل لأنه قائد جيوش الجدل والمناظرة التي يقطعني عن الاطراح والفناء في المحبة قتلت وريده يعنى قتله فأفنيته عنى فلا مجادلة له عندي بعدها فعلت ذلك بقوة المحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول وقصدت قائد الحجب يعنى بذلك كناية عن حجب الجلال لأنها أعظم الحجب وأقربها إلى الله تعالى فلا تكون المشاهدة الحقيقية إلا بعد رفعها فكنى برفعها بقوله قتلت وريده بلسان أسمر بالدماء مخمر يعنى فقطعت تلك الحجب بنور تجليات إلهية ذاتية في أسمى مرتبة كنا عن ذلك بقوله بالدماء محمر يعنى محفوفة تلك التجليات بأنوار الأسماء والصفات.
تركوا اللبوس مع السلاح هزيمة يناون بين منجد ومغور
وجه السماع للناسك يقول أن الخواطر الشيطانية التي كانت سبباً للمعاصي والتخلف عن الطاعات لما صبرت على دوام العبادة بالإقبال على الله تعالى انهزمت جيوشها بين منجد ومغور.
وجه السماع للسالك يقول لما كشف لي عن الملائكة المهيمين وجدتهم قد تركوا اللبوس مع السلاح هزيمة يعنى أنهم مأخوذون عن ما عليهم من الأنوار والجمال والمحاسن لأنهم مهيمون في جلال الله تعالى فلا عندهم شعور بغيره أبداً لا يعرفون سواه لأنه لم يحتجب عنهم طرفة عين يناون بين منجد ومغور يعنى يبعدون عن الأكوان بتجليات إلهية تجذبهم يعنى تعلوا بهم في المعرف الذاتية ومغور يعنى وتنزل بهم في المعارف الصفاتية فهم بين منجد وغور من حيث ضرب المثل.
وجه السماع للمحب فيه يقول لما غلبت العقل والرئاسة وأمثالها بقوة العشق والمحبة تركوا ما كانوا يجادلوني به فلما ذاق عقلي طعم العشق رغب فيه هو وأتباعه الذين كانوا يمنعوني عن الانخلاع فهم ذا يناون يعنى يبعدون مع عما كانوا عليه بين منجد ومغور من أحوال العشق المتضادة يريد أن العقل الذى كان يمنعه في أول الأمر صار متابعاً له ومعيناً على قبول موارد العشق والمحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن حجب الأسماء والصفات ارتفعت وبعدت فكنا عن ذلك بقوله تركوا السلاح مع اللبوس هزيمة عبر عن تفرق حال الحجب عند ظهور الحق بلا كيف ولا حلول ولا جهة.
فنشرت رايات الفخار عليهم وقسمت سلبهم ولكل مظفر
وجه السماع للناسك يقول فنشرت رايات الفخار عليهم يعنى أظهرت عليهم الطاعة والعبادة بظهور أنوارها على جوارحي وقسمت سلبهم لكل مظفر من جوارحي فجعل سلبهم عبارة عن الأنوار التي سلبها الله تعالى أتباع الشيطان والهوى يقول وضع الله على جوارحي تلك الأنوار التي لم تكن على أتباع الهوى ولا على شيطان والمعاصي والمخالفات فانتشرت أعلام الطاعة بظهور أنوارها على هيكلي بقوله (سيماهم على وجوههم)
وجه السماع للسالك فيه يقول فنشرت أعلام الفخار الذي وهبهم الله تعالى يعنى افتخرت عليهم بمعرفة ما سبحوا الله تعالى به وعبدوه من حيث ذلك الاسم والصفة وكان لي عند الله من معرفة ذلك الاسم ما لم يكن لهم لأن أدم عليه السلام كان عنده ما لم يكن عند الملائكة كلها من معرفة الله تعالى وأنا نسخة أدم فعند الإنسان من القابلية لمعرفة الله تعالى ما لم يكن عند الملائكة لأنهم عرفوا الله تعالى من حيث العقل وحده وهو يعرفه من حيث العقل والشهوة فمعرفته على التمام والكمال ومعرفة الملائكة على النصف من معرفة الإنسان ولهذا كانت الخلافة في الإنسان دون الملائكة لأنه أكمل منها ثم قال وقسمت سلبهم لكل مظفر يعنى ما خوله الله تعالى على هياكل ملائكته المقربين من أنوار القرب والعبودية قد صارت بينة على جوارحه وهيكله لأنها دون رتبة قوله لمن أحبه: (كنت سمعه وبصره ولسانه) فأين هذا المقام من الحلل النورية التي جعلها الله على ملائكته.
وجه السماع للمحب يقول نشرت أعلام العشق والمحبة بظهور أثارها على قلبي وعقلي وروحي وهيكلي.
وجه السماع للمجذوب يقول فأثنيت في ذلك المقام المحمدي على الأسماء والصفات بما تستحقه المكانة الإلهية وقسمت سلبهم يعنى وأظهرت على كل جارحة نصيباً من أثار الاتصاف بالصفات الإلهية وعن الجوارح كنى بقوله لكل مظفر وبالسلب كنى عن أثار الأسماء والصفات
هذه الفهم (....) لم يكن غنمى سوى ذكر يعز به جميعاً معشري
وجه السماع للناسك يقول رجعت عما كنت عليه من المخالفات والمعاصي وما اغتنمت من أنواع العبادة سوى ذكر الله تعالى وطاعته لأن به عز هيكلي ويسوغ أن يؤول الذكر هنا بالقرآن بمعنى أنه مداوم على تلاوته وهذا السماع لا من عجب له بأفعال العبادة فإن العجب يحبط العمل بل من طرب لنوره لغرة العبادة وخروجه عن زل المعصية.
وجه السماع للسالك يقول رجعت عن شغلي بالملأ الأعلى مغتناً لشغلي بالله فلم يكن لي غنم سوى المراقبة كنا عنها بالذكر.
وجه السماع للمحب يقول رجعت عن مكائدة شدائد قطع العوائق والعلائق واغتنمت الانهماك في عشق المحبوب بذكر محاسنه وأوصافه.
وجه السماع للمجذوب يعنى رجوعه عن الحق إلى الخلق بالحق في مقام الوراثة المحمدية يقول لما رجعت بالحق إلى كشف أحوال الخلق لإعطاء الحقائق حقها لم يكن غنمى سوى ذكر يعنى لم أظهر فيهم بالكرامات وخرق العادات مستغنماً لذلك بل لم أغتنم إلا بذكر الله تعالى بالتخلق بأخلاقه وليعزه بذلك جميعاً معشري أي جوارحي لحقيقة( كنت سمعه وبصره).
من لم يعش متعززاً بسنانه سيموت في الأيام موت محقر
وجه السماع للناسك من لم يتعزز بطاعة الله تعالى مدة حياته سيزل إذا مات فيكون محقراًَ.
وجه السماع في للسالك يقول من لم يتعفف عن التعشق بالروحانيات العلوية ومخاطباتها سيحجب بها عن الله تعالى فجعل الموت عبارة عن الحجاب.
وجه السماع للمحب فيه يقول من لم ينهمك ويحيى حياة الأبد بمحبة الله تعالى والتعشق بجماله وأسمائه سيموت بمحبة الأكوان ويحقر حينئذ قدره فكم بين من يكون مع الله وبين من يكون مع شيء من الأكوان لأن (المرء مع من أحب).
وجه السماع للمجذوب يقول من لم يتعزز بوجود اتصافه بصفات الله فإن الزلة لاحقة به لأنه العزة لله فمن اتصفت بصفات الله فقد اغتر بغرة الله ومن لم يتصف بصفات الله فلا يموت إلا محقر غير عزيز.
لابد للغم النفيس من الفناء ناصر حق (....) في الأعز الأفخر
وجه السماع للناسك فيه يقول أصرف زمانك في طاعة الله تعالى لأن العمر يفنى وليس له بقاء فاترك لوازم هذه الدار لأنها فانية واطلب الدار الآخرة لأنها أعز وأفخر من هذه الدار.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن الوقت عزيز لا بقاء له فاحذر من تضييعه وأصرفه في المخالفات والمجاهدات والرياضات والحضور مع الحق تعالى بأنواع المراقبات لأن سلوك الطريق هو الأعز الأفخر.
وجه السماع فيه للمحب يقول أن نفسك فانية خسيسة فلا تشتغل بها البتة واشتغل عنها وعن مجاهداتها بالانهماك في جمال الله تعالى وجلاله فذاك هو الأعز الأفخر.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول لا تحتجب بالأنوار الحقية عن الرجوع إلى مقام العبودية لأن وقوفك في مقام العبودية بعد قطع مقامات الوصول أعز وأفخر في حقك من البقاء في مقامات الوصول لأن دار الدنيا محل الطلب والزيادة فإذا احتجبت عن بشريتك بجلال الله تعالى لم تستطيع أن تهذبها كما فعله الكمل من أهل الله تعالى فارجع عن أوصاف الربوبية إلى أوصاف العبودية فإن العمر عن قليل سيفنى وتلحق بصفات الكمال في دار الآخرة فأدرك بقية الأجل في تهذيب النفس من هذه الحمية الثانية وما اتصفت به عند الله هو لك ومجلى ظهوره هو دار الآخرة فلا تستعجله في هذا الدار فإن هذا الفعل هو الأعز الأفخر لأنك عن قليل تحمد عاقبة ذلك.