طباعة

المذاهب الفقهية الأربعة، فما هي المراجع المعتمدة لهذه المذاهب التي يمكن لنا أن نتعرف على أقوال المذاهب بالرجوع إليها ؟

نسمع كثيرا عن المذاهب الفقهية الأربعة، فما هي المراجع المعتمدة لهذه المذاهب التي يمكن لنا أن نتعرف على أقوال المذاهب بالرجوع إليها ؟

دراسة المذاهب الفقهية ينبغي أن تكون على يد العلماء، بمنهج دراسي متفق عليه من زمن طويل، بأن يدرس المبتدئ متنا صغيرًا في أي من المذاهب الفقهية، ثم شرحًا مبسطا، ثم عرضا للأقوال والأدلة حتى يصل للمراجع الكبيرة في المذهب، هذا بالنسبة لطلب العلم.
أما بالنسبة للثقافة والاطلاع فالأمر مختلف، فمن أراد الاطلاع على كتب المذاهب الفقهية الموثوقة التي تجمع أقوال أئمة المذاهب التي يعتمد عليها مروية بالإسناد الصحيح، وشروح تلك الاقوال والتعليق عليها، وبيان الراجح من محتملاتها، وتخصص عمومها في بعض المواضع، ويقيد مطلقها في بعض المواقع، فله ذلك للاطلاع والاستفادة، وفيما يلي بيان هذه الكتب في كل مذهب من المذاهب الأربعة:
أولا : كتب المذهب الحنفي : كثرت الكتب المصنفة في الفقه الحنفي على اختلافها من : متون، وشروح، وفتاوى وغير ذلك، ونحن نكتفي بذكر ما اشتهر منها، وما كان معتمدا عند علماء المذهب. فللكتب عند الأحناف مراتب نذكرها فيما يلي:
المرتبة الأولى: كتب المذهب (الأصول):
كتب مسائل الأصول هي: ظاهر الرواية(1)، وظاهر المذهب، وهي التي اشتملت عليها مؤلفات محمد بن الحسن من (الجامعين)(2)، و(السيرين)(3)، و«الزيادات»، و (المبسوط)، وهذه المسائل هي التي أسندها محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، أو أسندها عن أبي حنيفة فقط رحمهم الله تعالى، وقد صنف تلك الكتب في بغداد، وتواترت عنه، أو اشتهرت برواية جمع كثير من أصحابه قد بلغ عددهم مبلغاً، لا يجوز العقل تواطؤهم على الكذب، أو الخطأ في الرواية عنه، وهلم جرا إلى أن وصلت إلينا.
المرتبة الثانية من كتب المذهب (النوادر):
كتب مسائل النوادر، وهي غير ظاهر الرواية؛ لأنها لم تظهر كما ظهرت الأولى، ولم ترو إلا بطريق الأحاد بين صحيح وضعيف، (كالرقيات)، و«الكيسانيات»، و(الجرجانيات)، و(الهارونيات) من تصانيف محمد التي رواها عنه الآحاد، ولم تبلغ حد التواتر، ولا الشهرة عنه.
و(الرقيات): صنفها حين نزل رقة(4)، وكان وردها مع هارون الرشيد قاضيا عليها.
و(الكيسانيات): رواها عنه شعيب بن سليمان الكيساني، و(الجرجانيات): رواها عنه علي بن صالح الجرجاني من أصحابه، وكتاب (المنتقى) للحاكم الشهيد مجموع كتب محمد في غير رواية الأصول، فهو في حكمها، كما أن (الكافي) له أيضا في حكم رواية الأصول كما سبق.
ومن ذلك: (الأمالي والجوامع) لأبي يوسف، وكتاب «المجرد» للحسن بن زياد، و نوادر هشام بن عبيد الله الرازي، وغيرهم.
نعم قد يكون ما في النوادر أصح مما في ظاهر الرواية باعتبار قوة المدرك، وصحة الرواية به؛ لأن غالب ما في النوادر قد صحت الرواية به، وإن كان بطريق الأحاد، فإذا صحت الرواية به ولو آحادا وساعدته الدراية قدم على ظاهر الرواية.
ألا ترى أن صاحب التحفة قد اختار رواية النوادر، وقدمها على ظاهر الرواية في هلال الأضحى حيث قال: (والصحيح أنه تقبل فيه شهادة الواحد)اهـ.
وقد جاء في ظاهر الرواية: أنه لا يجوز تقليد التابعي مطلقا، لكن جاء في رواية النوادر: أن قوله كقول الصحابي إذا ظهرت فتواه في زمنهم، وأقروه عليها. واعتمده فخر الإسلام، وتابعه بعضهم، وجعله هو الأصح.
ولذلك؛ فإن مرتبة كتب الأصول الستة عند الأحناف كالصحيحين في الحديث، ومرتبة كتب النوادر كالسنن الأربعة.

المرتبة الثالثة من كتب المذهب (الفتاوى):
وتسمى الواقعات، وهي: الكتب التي تحتوي على المسائل التي استنبطها المتأخرون من أصحاب محمد، وأبي يوسف، وزفر، والحسن بن زياد، وأصحابهم، وهلم جرا. مثل كتاب «النوازل» لأبي الليث السمرقندي، فقد جمع فيه فتاوى مشايخه ومشايخ مشايخه كمحمد بن مقاتل الرازي، وعلي بن موسى القمي، ومحمد بن سلمة، وشداد بن حكيم، ونصير بن يحيى البلخيين، وأبي النصر القاسم بن سلام، ومن قبل هؤلاء من أصحاب أبي يوسف ومحمد، مثل: عصام بن يوسف، وابن رستم، ومحمد سماعة، وأبي سليمان الجوزجـاني، وأبي حفص البخاري. قد يتفق لهؤلاء جميعا أن يخالفوا أصحاب المذاهب لدلائل وأسباب ظهرت لهم.
ومثل (مجموع النوازل والحوادث والواقعات) لأحمد بن موسى بن عيسى الكشي، و(الواقعات) لأبي العباس أحمد بن محمد الرازي الناطفي، و(الواقعات) للصدر الشهيد.
ثم جمع من بعدهم فتاوى أولئك مختلطة غير ممتازة كقاضـيخان في (فتاويه). و(الخلاصة) ، و«السراجية»، و«المحيط البرهاني»، وقد ميز بين الروايات والفتاوى رضي الدين السرخسي في محيطه، فبدأ برواية الأصول، ثم بمسائل النوادر، ثم ثلث بالفتاوى.
فكتب الفتاوى مخلوطة بآراء المتأخرين؛ فهي أقل درجة من النوادر، فإن ما بها ليس جميعه من أقوال صاحب المذهب، وليس له إسناد يرفعه إلى قائله، ولا أصحابها في درجة أئمتنا الثلاثة في الفقاهة، والعدالة، ولا في درجة أرباب المتون من حيث الزهد والورع، والعدالة، ولا من حيث العلم، والإتقان، والحفظ، والضبط، بل إنما جمعها أشخاص من المتفقهين، لم يعرف حالهم في الرواية، وحسن الدراية.
أما ترتيب كتب الحنفية لمقلد المذهب: فاللازم على مقلد مذهب الأحناف أن يأخذ بما في رواية الأصول، ثم بما في المتون المختصرات، كمختصر الطحاوي، والكرخي، والحاكم الشهيد؛ فإنها تصانيف معتبرة، ومؤلفات معتمدة، قد تداولها العلماء حفظا، ورواية، ودرسا، وقراءة، وتفقها، ودراية، وفي النهاية نذكر الكتب التي يعتمد عليها في نقل المذهب، ومنها:
١- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، ثمانية أجزاء.
٢ - المبسوط للسرخسي، ثلاثون جزءا، وللمبسوط نسخ، أظهرها وأصحها وأشهرها نسخة أبي سليمان الجوزجاني، ويقال: لها «الأصل»، وقد شرحها جمع كثير من كبار العلماء.
قال العلامة الطرسوسي: (مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا يفتى ولا يعول إلا عليه)، وحيث أطلق (المبسوطة) فالمراد مبسوط السرخسي.
٣- الجوهرة النيرة، لابن علي الحدادي العبادي، جزء آن.
4- العناية شرح الهداية، لمحمد بن محمود البابرتي، عشرة أجزاء.
5 - بدائع الصنائع، للكاساني، سبعة أجزاء.
6- رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين، لابن عابدين، ستة أجزاء.

ثانيا : كتب المذهب المالكي :
اشتهر من الكتب في مذهب مالك كتاب المدونة، ويسمى بالأم، وبالمختلطة، وهو کتاب جمع ألوفاً من المسائل، دونها سحنون بن سعيد في القرن الثالث الهجري، ومن رواية عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك، وابن القاسم هو تلميذ الإمام الذي لازمة أكثر من عشرين سنة، ومن الأحكام التي بلغت ابن القاسم مما لم يسمعه من إمامه.
وأضاف سحنون إلى ذلك ما قاسه ابن القاسم على أصول الإمام، واحتج سحنون لمسائل المدونة بمروياته من موطأ ابن وهب وغيره، وألحق بذلك ما اختاره من خلاف أصحابه، غير أن المنية عاجلته قبل أن يتمم ذلك في سائر أبوابها.
وعكف أهل القيروان عليها، وتركوا الأسدية التي كان دونها القاضي أسد بن الفرات عن ابن القاسم؛ لأن ابن القاسم كان قد رجع عن كثير من أحكامها، وكتب إلى أسد بن الفرات يعتمد على ما دونه عنه سحنون.
فأصبحت مدونة سحنون إماما لكتب المذهب؛ لأنه قد تداولتها أفكار أربعة من المجتهدين: الإمام مالك، وابن القاسم، وأسد بن الفرات، وسحنون بن سعيد.
وقام العلماء بشرحها وتلخيصها، فشرحها جماعة منهم: اللخمي، وابن محرز، وابن بصير، وابن يونس. وشرح ابن يونس جامع لما في أمهات كتب المذهب.
واختصرها جماعة منهم: ابن أبي زيد القيرواني، وابن أبي زمنين، ثم أبو سعيد البرادعي في كتاب التهذيب، وعليه اعتماد أهل إفريقيا.
وكذلك دون عبد الملك بن حبيب كتاب (الواضحة)، وقد جمعه من رواياته عن ابن القاسم، وأصحابه، وانتشرت في الأندلس.
و ممن شرحها ابن رشد، وعلى الواضحة اعتمد أهل الأندلس، وكذلك ألف العتبـي تلميذ ابن حبيب كتاب (العتبية)، مما جمعه من سماع ابن القاسم، وأشهب، وابن نافع عن مالك، وما سمعه من يحيى بن يحيى، وأصبغ، واعتمدوا (العتبية)، وقاموا بشرحها، والكتابة عليها.
وجاء القرن الرابع الهجري ومالكه الصغير حينئذ العالم الكبير ابن أبي زيد القيرواني، فقام بجمع ما في «المدونة»، و«الواضحة»، و«العنبية»، وما كتب على هذه الأصول، وضمنه كتابه المسمى بـ «النوادر»، فجاء جامعا للأصول والفروع.
وبقيت الحال على دراسة هذه الكتب إلى منتصف القرن السابع، وفيه حل محلها ابن الحاجب المسمى بجامع الأمهات، وبالمختصر الفرعي المعروف (بمختصر ابن الحاجب)، وقد جمع مؤلفه الطرق في المذهب من كتب الأمهات، فزاحم المؤلفات المنتشرة في ذلك الوقت، واعتمده أهل بجاية وإفريقيا، وأكثر أهل الأمصار، وشرحه ابن راشد القفصي، وابن عبد السلام.
وشرحه العلامة خليل بن إسحاق بن موسى الجندي أحد شيوخ الإسلام وأئمة الإسلام في القرن الثامن في شرحه المسمى (التوضيح) في ست مجلدات، اعتمد فيه على اختیارات ابن عبد السلام، وزاد عليه القول في كثير من الفروع، وحل مشكلاته، فكان أحسن الشروح، وأكثرها فروعا وفوائد، كما قاله الخطاب.
ثم اختصر العلامة خليل مختصر ابن الحاجب في مختصرة المشهور، ومن ذلك الحين أصبح مختصر خليل موضع العناية والتدريس، والإفتاء، وأصبح حجة المالكيين إلى وقتنا هذا، وما ذلك إلا لجمعه، واستيعابه، وتحريره، واعتماده، حتى إن الناصر اللقاني من شدة متابعة مؤلفه كان يقول إذا عورض كلام خليل بكلام غيره: نحن خليليون، إن ضل ضللنا.
ويقول: عن ذلك المختصر أبو محمد الحطاب هو كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وجمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعاً، واختص بتبيين ما بـه الفتوى، وما هو الأرجح والأقوى، لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله) اهـ. وكثرت الحواشي والشروح عليه حتى زادت على المائة(5)، ونجمل القول في أهم الكتب المعتمدة في فقه مذهب المالكية وهي:
1- المدونة، للإمام مالك رواية ابن القاسم، وهي أربعة أجزاء.
٢- النوادر، لابن أبي زيد القيرواني، حيث قام بجمع ما في المدونة، والواضحة، والعتبية، وما كتب على هذه الأصول، وضمنه كتابه، فجاء جامعا للأصول والفروع.
3- مختصر ابن الحاجب، المسمى بجامع الأمهات، وبالمختصر الفرعي.
4- مختصر الخليل، للعلامة خليل، الذي اختصر : ابن الحاجب.
5- الشرح الكبير، لأحمد الدردير العدوي، الذي شرح فيه مختصر الخليل بشرح مشهور متداول، اقتصر فيه على فتح مغلقه وتقييد مطلقه، وبيان المعتمد من أقوال المذهب، وبيان ما عليه الفتوى، وقد قام العلامة الدسوقي بتعليق حاشيته المشهورة على هذا الشرح، ووقع الكتاب بالحاشية في أربعة أجزاء، طبعة إحياء الكتب العربية.
6- أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك المعروف بالشرح الصغير، لأحمد الدردير العدوي، هو شرح متوسط اهتم فيه مؤلفه بشرح المعاني اللغوية والشرعية للحدود الفقهية التي في أصله، واقتصر على الأقوال والروايات في المذهب مع بيان الراجح منها، وتعرضه لذكر الأدلة والبراهين قليل، ولا تعرض له للمذاهب الأخرى. والكتاب يعد من المراجع المعتمدة في المذهب المالكي، ولا يستغني عنه أحد من الدارسين في المذهب المالكي، ولقد قام العلامة الصاوي بوضع حاشيته عليه، ووقع الكتاب في أربعة أجزاء.
ثالثا : كتب المذهب الشافعي :
كان للمذهب الشافعي في بداية الأمر - قبل عصر ابن الصلاح - طريقتان الطريقة الخراسانية، والطريقة العراقية.
والطريقة الخراسانية كانت الطبقة الأولى منهما هي طبقة أصحاب الشافعي: منهم إسحاق بن راهوية الحنظلي، وحامد بن يحيى بن هانئ البلخي، وأبو سعيد الأصفهاني والحسن بن محمد بن يزيد، وهو أول من حمل علم الشافعي إلى أصفهان، ومنهم أبو الحسين النيسابوري علي بن سلمة بن شقيق، ومات ٢٥٢هـ. ثم تأتي الطبقة الثانية فالثالثة حتى التاسعة والأخيرة ومن علمائها: إلكيا الهراسي، وأبو سعد المتولي، ومحيي السنة البغـوي، والروياني، ومنهم أيضا إمام الحرمين، وحجة الإسلام الغزالي.
وقد ألف علماء هذه الطريقة الكتب التي من أشهرها مصنفات أبي علي السنجي الذي شرح مختصر المزني، والذي سماء إمام الحرمين بالمذهب الكبير، وأيضا شرح تلخيص ابن القاص، ومنها تعليقة القاضي حسين، والفتاوى له، والسلسلة للجويني، والجمع والفرق له، والنهاية لإمام الحرمين، والتهذيب للبغوي، والإبانة للفوراني، والعمدة له، وتتمة الإبانة للمتولي، وغيرها الكثير.
وطريقة العراقيين والتي أولها كان من طبقة أصحاب الشافعي، منهم: أبو ثور، وإبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الذي تفقه على الإمام مباشرة، ومنهم: أحمد بن حنبل ومنهم أبو جعفر الخلال أحمد بن خالد البغدادي، ومنهم أبو جعفر النهشلي ثم البغدادي، ومنهم: أبوعبد الله الصيرفي، ومنهم: أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي، ومنهم الحارث بن سريج النقال وهو الذي نقل كتاب الشافعي «الرسالة» إلى عبد الرحمن مهدي. وتوالت الطبقات من لدن هؤلاء حتى الطبقة الثامنة التي كان منها القاضي أبو السائب عقبة بن عبد الله بن موسى الهمداني، وأبو الحسن المحاملي الكبير، وأبو سهل أحمد بن زياد، والفقيه البغدادي، وأبو كبر محمد بن عمر الزبادي البغدادي، وأبو محمد الجوزجاني، وغيرهم.
وقد ألف علماء هذه الطريقة كتبا كثيرة منها: تعليقة الشيخ أبي حامد الإسفراييني والذخيرة للبندنيجي، والدريق للشيخ أبي حامد، وتعليقة البندنيجي أيضا، والمجموع والأوسط للمحاملي، والمقنع، واللباب، والتجريد للمحاملي، وتعليقة القاضي أبي الطيب الطبري، والحاوي، والإقناع للماوردي، واللطيف لأبي الحسين بن خيران، والتقريب والمجرد لسليم، والكفاية لسليم، والكفاية للعبدري، والتهذيب لنصر المقدسي، والكافي وشرح الإشارة له.
ومنذ عصر ابن الصلاح تم جمع الطريقتين في والد ابن الصلاح، فأخذ ابن الصلاح طريقة العراقيين؛ عن والده عن ابن سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله، وأخذ طريقة الخراسانيين عن والده عن أبي القاسم بن البزري الجزري عن إلكيا الهراسي.
وتتلمذ على ابن الصلاح كل من الإمام أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي ثم المقدسي، وأبو عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم المقدسي مفتي دمشق، وأبو حفص عمر بن أسعد بن أبي طالب الربعي، والأربلي. وعلى كل هؤلاء أخذ الإمام النووي الطريقين، ويقول النووي عن الطريقين:
اعلم أن نقل أصحابنا العراقيين لنصوص الشافعي، وقواعد مذهبه، ووجوه متقدمي أصحابنا أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين غالباً، والخراسانيون أحسن تصرفا وبحثا وتفريعا وترتيبا.
وعلى الرغم من أن إمام الحرمين وتلميذه الغزالي من الطبقة التاسعة والأخيرة لطريقة الخراسانيين إلا أن أوائل جمع الطريقين بدأت من إمام الحرمين حينما قام بجمع طرق المذهب ووجوه الأصحاب المتقدمين في عمله العظيم (نهاية المطلب في علم المذهب)، وقام بالترجيح فيها اختلف فيه الأصحاب، في ضوء قواعد المذهب، وسار تلميذه الغزالي من بعده على نهجه وأكمل ما بدأه وهذبه، وفتح المجال لتهذيب المذهب وتنقيحه، إلا أن الغرض لم يكتمل إلا بجهود الإمامين الرافعي والنووي، ولهذا استحقا لقب الشيخين.
جميع ما ذكر من كتب الخراسانيين والعراقيين لاقت تحقيقا واسعا عند الإمامين النووي والرافعي إلى أن قال ابن حجر الهيتمي: أجمع محققو المذهب الشافعي على أن الكتب المتقدمة على الشيخين - يعني الرافعي والنووي- لا يعتد بشيء منها إلا بعد كمال البحث والتحرير، حتى يغلب على الظن أنه راجح مذهب الشافعي.
فالمعتمد في المذهب ما اتفق عليه الشيخان، فإن اختلفا ولم يوجد لهما مرجح، أو وجد ولكن على السواء، فالمعتمد ما قاله النووي: (وإن وجد لأحدهما دون الآخر فالمعتمد ذو الترجيح)، ثم بعد ذلك جاء ابن حجر، والرملي وشرحا المنهاج، وألفا في المذهب كثيرا، حتى قال الشافعية المعتمد بعد الشيخين: ابن حجر الهيتمي، ومحمد الرملي، فلا تجوز الفتوى بما يخالفهما، فإن اختلفا قدم أهل مصر ما قاله الرملي، وقدم أهل اليمن، والشام، والأكراد والحجاز ما قاله ابن حجر، وما لم يتعرضا له يفتى بما ذهب إليه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، ثم بعد ذلك يأخذ بقول الخطيب الشربيني.
فسلسلة الكتب المعتمدة عند الشافعية تبدأ بها ألفه الإمام الجويني (نهاية المطلب) الذي دارت كتب المذهب عليه، والنهاية هذا يعد اختصارا لكتب الإمام الشافعي الأربعة التي ألفها في الفقه، وهي: الأم، والإملاء، والبويطي، ومختصر المزني، أو أنه شرح المختصر المزني كما قال بعضهم، وجمع فيه طرق المذهب وأوجه الأصحاب.
ثم اختصر الغزالي النهاية إلى البسيط، واختصر البسيط إلى الوسيط، وهو إلى الوجيز ثم اختصر الوجيز إلى الخلاصة.
ثم اختصر الرافعي الوجيز إلى المحرر وشرح الرافعي الوجيز بشرحين: شرح صغير لم يسمه، وكبير سماه العزيز فاختصر النووي إلى الروضة، ثم اختصر النووي المحرر إلى المنهاج.
ثم اختصر زكريا الأنصاري المنهاج إلى المنهج، ثم اختصر الجوهري المنهج إلى النهج.
واختصر ابن المقري الروضة إلى (الروض)، فشرحه شيخ الإسلام زكريا شرحا، فشرحه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري شرحًا سماه (الأسنى)، واختصر ابن حجر الروض إلى كتاب سماء (النعيم) جاء نفيسا في بابه، غير أنه فقدعليه في حياته.
على خلفية ما ذكر نستطيع أن نجمل القول في الكتب المعتمدة في مذهب الشافعي فيما يلي:
1 - (المحرر) للرافعي، وهو اختصار الوجيز لأبي حامد الغزالي.
2 - (العزيز) للرافعي، شرح كبير للوجيز لأبي حامد الغزالي.
3 - (المنهاج) للنووي، وهو اختصار للمحرر.
4 - (الروضة) للنووي، اختصار للعزيز الذي هو شرح كبير للوجيز.
5 - (تحفة المحتاج) لابن حجر الهيتمي، شرح المنهاج، عشرة أجزاء، طبعة دار إحياء التراث العربي.
٦ - (نهاية المحتاج) للرملي، وهو شرح كذلك على المنهاج، ثمانية أجزاء، طبعة دار الفكر.
7 – (أسنى المطالب) في شرح روض الطالب، للشيخ زكريا الأنصاري، وهو شرح الكتاب ابن المقري الروض، الذي اختصر فيه الروضة، ووقع في أربعة أجزاء، طبعة دار الكتاب الإسلامي.
8 - (مغني المحتاج) للخطيب الشربيتي، وهو شرح على المنهاج، وهو ستة أجزاء، طبعة دار الكتب العلمية.

رابعا : المذهب الحنبلي :
هناك الكثير من الكتب المشهورة في المذهب، وإن المعتمد وما عليه الفتوى دائما المحرر منها:
1- (الإقناع لطالب الانتفاع) وهو كتاب كثير الفوائد، للعلامة المحقق موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي المقدسي، ثم الدمشقي الصالحي، وهو المعول عليه في مذهب أحمد في الديار الشامية.
2- (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف) ضم بين دفتيه كل ما قيل في المذهب من أقوال ووجوه وروايات؛ مما يغنى عن غيره من المختصرات والمطولات، وسلك فيه مسلكا لم يسبق إليه، فبين الصحيح من المذهب، ونقل في كل مسألة ما نقل فيها من الكتب وكلام الأصحاب المتقدمين والمتأخرين من الحنابلة إلا أنه لم يتعرض للدليل إلا نادرا، وقدم له مقدمة عن الخلاف في روايات المذهب، والكتب التي اعتمد عليها أو نقل منها سواء أكانت من المتون أم من الشروح والحواشي، وبين كيفية الترجيح وطرقه في المذهب وفيه مسائل وفرائد، وفوائد، وغرائب، ونكت كثيرة لا تظفر بمجموعها في غيره، وعمل المصنف هذا الكتاب تصحيحا لكتاب المقنع لابن قدامة (٦٢٠ هـ) وتوسع فيه وكأنه شرح له زيادات، ثم اختصر المؤلف كتاب الإنصاف في كتاب نفيس آخر سماه (التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع).
3- (دليل الطالب): متن مختصر مشهور، تأليف العلامة بقية المجتهدين مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن يوسف بن أحمد الكرمي، نسبة لطور كرم قريبة بقرب نابلس، ثم علماء الدمشقي أحد علماء هذا المذهب بمصر.
4- (رءوس المسائل) : للشريف الإمام الأوحد عبد الخالق بن عيسي بن أحمد بن أبي عيسى : موسى الهاشمي.
5- (الرعايتان): كلاهما لابن حمدان، قال في كشف الظنون: (الرعاية في فروع الحنبلية) للشيخ نجم الدين بن حمدان الحراني، المتوفى سنة ٦٩٥ هـ، كبرى وصغرى، وحشاهما بالروايات الغربية التي لا تكاد توجد في الكتب الكثيرة.
6- (العمدة): كتاب مختصر في الفقه لصاحب المغني جرى فيه على قول واحد مما اختاره، وهو سهل العبارة يصلح للمبتدئين.
7- (عمدة الراغب) : مختصر لطيف للشيخ منصور البهوتي، وضعه للمبتدئين وشرحه العلامة الشيخ عثمان بن أحمد النجدي شرحا لطيفا.
8- (غاية المنتهى): كتاب جليل للشيخ مرعي الكرمي، جمع فيه بين الإقناع والمنتهى، وسلك فيه مسالك المجتهدين، فأورد فيه اتجاهات له كثيرة.
9- (الغنية): تأليف: شيخ العصر، وقدوة العارفين: عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيل، البغدادي المشهور.
۱۰ – (الفروع): تصنيف: محمد بن مفلح بن مفرج المقدسي، ثم الصالحي الراميني، شيخ الحنابلة في وقته، وأحد المجتهدين في المذهب.
۱۱ – (القواعد): تصنيف: العلامة الحافظ شيخ الحنابلة في زمنه، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي.
۱۲ – (الكافي) : للشيخ موفق الدين المقدسي صاحب المغني، يذكر فيه الفروع الفقهية، ولا يخلو من ذكر الأدلة والروايات.
۱۳ – (شرح منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات) :هو كتاب مشهور، عمدة المتأخرين في المذهب، وعليه الفتوى فيما بينهم، تأليف العلامة تقي الدين أحمد بن عبد العزيز علي بن إبراهيم الفتوحي المصري الشهير.
١٤ – (شرح منتهى الإرادات) للعلامة منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس البهوتي، شيخ الحنابلة في عصره، المتوفى سنة ١٠٥١هـ، وشرحه هذا جمعه من شرح مؤلف المنتهى لكتابه، ومن شرحه نفسه على الإقناع وهو شرح مشهور مطبوع، وللشيخ منصور حاشية على المتن.
ما ذكر يشكل صورة إجمالية لمعرفة التسلسل كتب المذاهب الفقهية الأربعة، وسهولة الرجوع إليها، ومعرفة طبيعة أهم تلك المراجع، نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا دائما، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ظاهر الرواية: أي التي اشتهرت روايتها وظهرت، فهو من الظهور بمعناه اللغوي، وليس بالمعنى الاصطلاحي.
(۲) أي: كتابي الجامع الكبير، والجامع الصغير.
(۳) أي: كتاب السير الكبير، والسير الصغير.
(4) الرقة: كل أرض إلى جنب واد، يتبسط الماء عليها أيام المد، ثم ينضب، وهي قرية أسفل من بغداد بفرسخ.
(5) راجع مقدمة الشيخ عبد الله الغماري لكتاب الأكليل شرح مختصر خليل، للعلامة المحقق الشيخ محمد الأمير.

 

عدد الزيارات 172 مرة
قيم الموضوع
(0 أصوات)